الثلاثاء، 26 نوفمبر 2019

إكتشاف مركَب يقضي على مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية

بنظارته الدقيقة وقف عالِم الكيمياء الحيوية سلمان واكسمان  داخل مختبره  مُراقبًا قارورة زجاجية تحوي سائلًا شفافًا في وقت كانت الحرب العالمية الثانية لا تزال على أشدها وكان السل يفتك بأرواح آلاف البشر دون رحمة أو وسيلة تقي الضحايا ضراوة الهجمات في ذلك التوقيت وتحديدًا في عام 1943 

كان واكسمان وطالب الدكتوراة في معمله  ألبرت شاتز يعملان معًا من أجل إيجاد وسيلة لوقف الحرب التي يشنُّها السل على البشر حتى تمكَّنا من التوصل إلى أول عامل مُضاد للميكروبات تم تطويره بعد اكتشاف البنسلين ما جعله رغم سُمِّيَّته المتوسطة دواءً فعالًا ضد ذلك المرض  عُرفت تلك المادة باسم "ستربتومايسين" وأُدخلت مباشرةً في تجارب علاجية ضد السل في عام 1944.
ورغم نجاح ذلك المركَّب في علاج السل، إلا أن البكتيريا كوَّنت في العام ذاته قدرةً على مقاومته إذ اكتشف "واكسمان" أن بعض السلالات للبكتيريا المُسببة للسل كوَّنت قدرةً على مقاومة التركيزات العلاجية المختلفة لـ"الستربتومايسين". ومن يومها برز على السطح ذلك المصطلح المُرعب مُقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية.
تُعتبر المضادات الحيوية من اكتشافات القرن العشرين العجيبة. لكن العجب الحقيقي الآن هو الصعود المتنامي في مقاومة البكتيريا لها داخل المستشفيات وفي البيئات المصاحبة لاستخدامها خاصة، والمجتمعات البشرية عمومًا. إذ استفادت القدرات الوراثية غير العادية للميكروبات من الإفراط في استخدام الإنسان للمضادات الحيوية، لتكوِّن مُقاومة هائلة لذلك العلاج الفعال.
والآن، يلقى قُرابة 700 ألف إنسان مصرعه من جَرَّاء تلك المقاومة، ما دعا منظمة الصحة العالمية لإطلاق تحذير ووصف تلك المشكلة بكونها "أكبر المخاطر التي تحيق اليوم بالصحة العالمية والأمن الغذائي والتنمية".
وطيلة الثلاثين عامًا الماضية، ومع تصاعُد وتيرة مُقاومة المُضادات الحيوية، يُحاول العالم وضع إستراتيجيات مختلفة لمواجهة تلك الكارثة المُحققة، منها الحد من استخدام تلك الأدوية، وابتكار مُضادات حيوية جديدة تقاوم مقاومة البكتيريا.
إلا أن العلماء لم ينجحوا حتى الآن في الشق الثاني المتعلق بابتكار أدوية جديدة  غير أن دراسةً حديثة نفذها باحثون شباب قد تُسفر عن مُضاد حيوي جديد شديد الفاعلية في مقاومة النوع الأكثر انتشارًا من البكتيريا، بطريقة مبتكرة كُلِّيًّا، تستهدف إزالة عدوى المكورات العنقودية، متضمنةً الأنواع المقاوِمة للمضادات الحيوية بشكل أكثر فاعلية.
تُعد العدوى ببكتيريا المكورات العنقودية الذهبية السبب الرئيسي لمعظم الالتهابات في جميع أنحاء العالم، كما أنها المسؤولة الأولى عن حالات الاعتلال والوفيات، وخاصةً مع ظهور سلالاتها المقاوِمة للمضادات الحيوية. يُسبب ذلك النوع من البكتيريا أمراضًا خطيرة، كما يُمكن أن تتنقل عدوى الإصابة بالمكورات العنقودية من الشخص المريض إلى السليم، ما يجعل قدرتها على الانتشار مهولة.
غير أن الدراسة، المنشورة اليوم في دورية "نيتشر" العلمية، قد تضع حدًّا أمام توغُّل تلك البكتيريا؛ إذ أبلغ الباحثون عن مركب كيميائي يحتوي على مادة "بنزويل ثيوريا"، يُمكن أن يُعالج العدوى بالمكورات العنقودية الذهبية.
يقول الباحث في علوم الميكروبيولوجيا "الأحياء الدقيقة" بجامعة ماك ماستر، والذي يعمل في مختبرات براون الكندية، عمر الحلفاوي، المؤلف الأول للدراسة إن ذلك المركب "لا يُشبه أيًّا من المضادات الحيوية المتاحة على المستوى الكيميائي"، مشيرًا إلى أنه والفريق البحثي اكتشفوا ذلك المركب من خلال فحص مجموعة من المواد الكيميائية المتنوعة التي تحتوي على حوالي 45 ألف مُركب.
-------
د/ على العربى 

التعليقات
0 التعليقات